الدَبْكَة
من كتاب يوسف موسى خنشت
الدبكة أنواع متعددة معروفة في بلاد سوريا ولبنان وفلسطين والعراق وما بين النهرين وبلاد الأكراد . وهي رقص مشترك بين جمهور , يقوم به الشباب والشابات أيام الأعراس والأفراح والمواسم , ويشترك فيه من يشاء ممن يحسن القيام بحركاته وسكناته وله إلمام بجميع أنواعه . فللشباب وحدهم دبكة , وللنساء والبنات دبكة , وللجنسين مختلطين دبكة أخرى .
كان الشباب قبلاً يتخذونها مدعاةً للإفتخار بأجسامهم وشبابهم وتفننهم وبراعتهم في الرقص الخالي من كل خلاعة وتهتك , أو وسيلةً للرياضة البدنية , وتارة لمباراة الأدباء . والتلذذ بسماع أقوالهم . والنساء يتخذنها للرقص والغناء وللطرب والانبساط وللرياضة أيضاً .
فتقسم دبكة الشباب إلى عشارية , وعرجاء , وكردية , وشرقية , وشمالية , وغربية وغيرها .
ودبكة النساء إلى هادئة ومستعجلة . وإليك بعض الإيضاح عن هذه الأنواع .
صورة الدبكة حلقة
يجتمع الشباب في دار العريس الفسيحة الأرجاء , أو في ساحة أمام داره إذا كانت ضيقة . ويعقدون حلقة غير كاملة , متماسكين بالأَيدي , متماسين بالأكتاف فيبدأون من أطولهم قامة , ثم الأقصر فالأقصر حتى الآخر . ويدعر رأس هذه الحلقة (( السندة )) . فيسند الشباب ويقودهم ويضبّط حركتهم وسيرهم كما تقتضيه الأصول . ثم يأتي شاب من المشهورين المشهود لهم بقيادة الدبكة وإتقانهم لجميع أنواعها , وبيده سيف أو عصا أو منديل مطرز الأطراف بحرير ملون , فيترأس هذه الحلقة ويقودها على ما يقتضيه نظام الدبكة وأصولها . وهذا يسمونه (( القيدة )) . ويقوم في وسط هذه الحلقة شاب يحسن النفخ في المزمار أو الشبَّابة , أو شاب يحمل طبلاً يقرعه عند الإقتضاء ( هذا إذا لم يكن في العرس من جماعة النَّوَر بطبولهم وزمورهم ) .
فيطلب القيدة من حامل الطبل أن يضربه للدبكة العربية مثلاً , ويفتتحها على التوقيع المطلوب والأصول المتبعة , ويتبعه بذلك السندة بنقل الرجلين وحركة الجسم بضبط وإتقان ليكون قدوة للشباب الذين بعده . فيتبعونه كلهم كأنهم جسم واحد , يميلون كيفما مال قائدهم يميناً أو يساراً بغاية الإتقان , يتقدمون ويتأخرون بخطوات معدودة ومنتظمة تتجسم فيها الرجولية والقوة والنشاط والفن والنظام بكل معانيها . ويأخذ القيدة يتفنن بحركاته وخطواته الموزونة وتنقلاته المتقنة وقفزاته المضبوطة , لا يخلّ بنظام الدبكة قيد شعرة ولا يتعدى الحركة العامة مطلقاً مهما تقلب وتفنن بحركاته . ويساعده على ذلك السندة سانداً الشبان , مؤخراً سيرهم , ليبقى القيدة حرّاً بحركاته .
وكثيراً ما كانت تدوم الدورة الواحدة نحو ساعة قبل أن يرجع القيدة إلى المكان الذي بدأ منه الدبكة . وهذا يـُعدّ براعةً وإتقاناً . وهو يلعب بالسيف حيناً , وتارةً يقفز قفزتين بينما الباقون يقفزون قفزة واحدة . وجميعهم يسكنون ويضربون الأرض بأرجلهم ضربةً واحدة في وقت واحد . وتارة تراه كأنه يخالف النظام العام بحركاته وقفزاته ولا تلبث أن تراه عاد إلى النظام وسار قيد الأصول , ويجتمع الناس حول هذه الحلقة بالمئات يتفرجون ويتمتعون بهذا المنظر البهج وهم قيامٌ وقعود يشربون القهوة والنارجيلة , مسرورين بمرأى شبان تتدفق الصحة من وجوههم والنشاط من أجسامهم والإبتسامات من ثغورهم وكلٌ منهم يقول في نفسه (( يا نفس اشتدّي . وما حدا قدّي )) , ويضرب الأرض برجله متجبراً عليها بشبابه وهو يميل كالغصن الرطب مع الهواء كيفما مال .
اللعب بالسيف والترس
وبعدما يكتفون من هذه الدبكة يطلب القيدة تغييرها إلى شمالية مثلاً أو غيرها . فتكون أسرع من تلك حركةً وأخف , وتختلف عن الأولى بعض الإختلافات بنقل الرجلين أو الميل . فيلبّى طلبه بعد وقوفٍ قليل . وبإشارة منه يقرع الطبل فيبدأ القيدة الرقص تابعاً به التوقيع ويتبعه السندة ومعه الشبَّان . ويأخذ جميعهم في الميل والقفز والنط إلى الأمام والعودة إلى الوراء حسبما تقتضيه الحال . حينئذٍ تأتي امرأة وبيدها محمصة البنّ وعليها النار والبخور الجارودي والملح وورق الزيتون , فتمر على مؤلفي هذه الحلقة مبتدئة من القيدة فتبخرهم وتحوّطهم باسم الله وبالصلاة على الأنبياء من عينها وعين خلق الله .
ثم يتحولون إلى دبكة أخرى (( كالعرجا )) وغيرها . وبعد أن يكتفوا من جميع أنواع الدبكة المختصة بالشباب يطلبون إلى الأدباء الدبكة على (( القول )) أي على النظم مع الطبل . فينبري واحد منهم وينزل إلى (( الحوقة )) ويطلب من صاحب الطبل توقيعاً معلوماً فيلبي هذا طلبه ويقول الأديب :
حليوه وين كنتِ اليوم عيونك شارده للنوم
فيردد الشباب هذه اللازمة وهم يرقصون . ويأخذ الأديب ينظم عليها ما توحي إليه قريحته أو مما يكون محتفظاً به من نظم غيره , مثل هذه الأبيات التي توافق النغم والتوقيع :
يا أَسمر السمر قـُلـِّي من جرح خدك هـو جـرح سكـِّيـن و الاّ أحـد عضَّـك
سـايق عليك النبي سـايق عليك ربَّك لا تعاشـر الغيـر و حياتـي علـى قلبـك
يا أَسمر السـمر أهلـك عيّرونـي فيـك و كلمـا عيّرونـي زاد غرامـي فيك
انت الحبق بالطبـق وانا الذي اسقيك انـت الثريا و انا الميزان ارعى فيك
حبّيتكم يا ترى وايـش حبّبنـي فيكـم حبَّيـت مـا بيـن حاجبكـم و عينيكم
حبيـت أرضاً تدوسـوها برجليكـم حبيـت جيرانكـم كرمـال عينيكم
حبيتكم خاص وانتم تبغضـوا خالـص وانا الذي من محبة غيركم خالـص
وحياة ذاك النبي النُوره ذهب خالـص ما اظن يا عين تلاقي لك وليف خالص
حبيتكـم لاستريـح و انتـم تعبتونـي وكنـت خالـي الغـرام انتـم شبكتونـي
و كنـت بحضـن امـي دبلتونـي ما هـو حـرام علـى دقَّــة تفوتونـي
حبيتـم مثـل زنـدي والسـوار و الكـف حبيتكـم ما دِرِي هالكـف مـن هالكـف
لمّـن لقيتـك بعشـرة غيرنـا مشـتفّ بعتك بدرهم زغل لو كنت تسـوى الف
يا ابيـض البيـض يا مجبول بالفضَّـه يا أكحـل العيـن قلـّـي ايمتى بترضى
إن كـان أهلك وأهلي أسّسـو البغضه اعمل انـا العبـد و انت السـِّيد لترضـى
واقـف علـى بابكـم عرقـان لأتهـوَّى وطلعـت مـن داركـم بـالنـار أتكوَّى
جابوا المكاوي وقالوا يا صبـي تكـوَّى وايش ينفع الكي بـرّا و الوجـع جوَّى
سير يا حمام دوني وعرني لجناحك يوم لطير و علّـي و انظـر لحبابـي يـوم
وحياة من سبّحوا له بالصلاة والصوم اسكـن جهنـم ولا اقعـد بلاكـم يـوم
فتستغرق هذه الدبكة مدة طويلة , لأن الأديب يقول كل شطر من هذه الأبيات على حدة . وهي سريعة يلزمها نط وقفز كثير . فيطلبون غيرها أبطأ منها حركة عندما يدهمهم التعب . فيبطلون الطبل , ويقول الأديب مغنيَّـاً على نغم هادئ :
عـدلـى يـا مـوليـا عـيـنـي يـالـبـنـيَّــه
فهذا النغم يُـقال عليه كل بيوت موليا , كما سيأتي ذكره , ولا يلزمه نط ولا قفز , بل هو هادئ بطئ . فيردد الشباب اللازمة . ولا يكاد الأديب ينظم بيتاً أو بيتين حتى تنساب البنات والنساء بين الشباب . فتمسك كل منهن بيد إثنين من أقربائها أو أنسبائها ويأخذن يدبكن معهم . وبعد قليل تصبح الدبكة مشتركة بين الجنسين . فيجعل الأدباء يغنون وينظمون الأغاني المطربة , والجميع يدبكون بلذة وحبور . وبعد أن يأخذ الشباب قسطاً من الراحة تشير النساء فتتحول الدبكة إلى حركة مسرعة , فيقول الأديب :
ورد خـدّ المحسـنـه من قلـَّبه غيـر انـا
فيقفز الجميع بانتظام , والبنات والنساء المتزينات والمتحلّيات (( يخشخشن )) بحلاهنّ (( خشخشة ً )) توافق الدبكة فتجملها وتعطيها رونقاً خاصَّـاً . والأديب ينظم الأبيات الداعية إلى الطرب فيسكرون جميعاً بنشوته . ومع ذلك لا يفتأون محافظين على الحِشمة والأدب كما يحافظون على نظام الدبكة وإتقانها , فيقول الأديب :
يـا ويـل ويلـي لهـم عقلـي و مالـي لهـم
عالـدرب لربـط لهـم واقعد عـادرب القنـا ( أي قناة الماء )
فيتهيج الشبان عند ذكر القناة ويزيد النط والقفز والرقص . ويعود الأديب فيقول :
ســمره يـا ام الحلَـق مثلك ربّـي ما خلـق
لا بالغرب ولا بالشرق و لا فـي كـل الدنـا
ويظلون هكذا إلى أن يتعبوا فيغني أحدهم أغنية هادئة مثل هذه :
قولـون لام السـالف لغيرهـا مـا وَالـَف
فيردد الشبان هذه اللازمة ويقول الأديب :
من سالفك عاجبينـك الله والخضر يعينـك
عهد الله بينـي و بينـك الله يخوّن الي يخالف
من سـالفك عالوجنـه مـن كثر ما علوَجنـا
ما تشـوف ما اروجنـا بالقول عا ام السالـف
مـن سـالفك عالخـدِّ مطروح فـوق مخـدِّ
مـا توصفيلي شوبدّي انت حكيـم و عـارف
من سـالفك عالصـدرِ و الوجـه زيّ البـدر
لو تعرف حالي وتدري ما كنت الي بتخالـف
مـن سـالفـك عاتمـك ردي خبـر على إمك
رايـح أميـل لـيـمِّـك بلكي نصيـر معـارف
مـن سـالفك عالعينـي يـا بعـد روحي وعيني
خـدك ورده بجنينـه سـعيد يـا الـّي قاطف
من سـالفـك عاكتافـك تسـلم حمـرة شـفافك
لا يـكون حـدا شافك مـن هيك انـا خايف
مـن سـالفك عالظهـر يـا لابسـة الـزهـري
يـا بنـت لا تنقهـري ويكـون قلبـك خايف
ثم ينتقلون إلى غيرها مستعجلة فيقول الأديب :
يا بو عيون السود زرارك حلها طالت الغيبة علينا وحلَّـها
أو :
حليـوه داب رمـانـك وانا عالباب استنَّى ( أي انتظر )
أو :
لولح يا بو ردان يابا خلي الدق يبان يابا
وان كنت زعلان يابا دربك عالبسـتان يابا
وان كنت بردان يابا دربك عالحمـام يابا
وان كنت عطشان يابا دربك عالرمان يابا
وان كنت جوعان يابا دربك عالصيوان يابا
وان كنت فزعان يابا تعا بقلبـي نـام يابا
أو :
تخاويت وانا الديب سـرحان خاويّـاً خاويته باللسان ِ
خاويته بعهد الله و لا خان خاواني بعهد الله وجاني
حبيبي رشقني بعود ريحان رشـقته بندّ و زعفراني
حبيبي كيف ماهب الهوا مال تمايل يا عويد الخيزراني
أو :
هي هيُّوا راكبين النوق ريّضوا هجنكم ليَّ
ريّضوا واردفون الشوق على بكاره نعمانيه
حبيبي لو نزل عالسوق يتمايل بالحسـاويَّـه
حبيبي يابو عيون السود ياربي تجيره ليَّ
ثم ينتقلون إلى غيرها , إلى هادئة قليلاً . فتطلب من الأديب إحدي البنيات وتقول غنِّ لنا الفرنساوية . وهذه أغنية جاءت بها إحدى عيال المسيحيين الدمشقيين هكذا :
هولا هولا بـابـا هولا كوميلبياني
سـفامنى جولـي انا مـا كيتريان
( وقد سمعنا هذه الفقرة تـُغنـَّى بطريقة أخرى :
فوالا فوالا بابافوالا فوالا ماما
سافر ملك جوليانـا ماكتير بيان )
فأحبها الناس هنا وأخذوا يغنونها هكذا :
و لا و لا بـابـا و لا كـل البيـان
صفرنت من جوعي امـان امـان امـان
فيرددون هذه , ويقول الأديب :
يـا ولـد يـا صغيـّر يا نايم بسـريرك
ابوك يقول لك نـام و امك بتحدي لك
فيأخذ البنات حظهن من الأغنية , ويتجمعن كلهنَّ في جهة واحدة متماسكات بأيديهن , ويأخذن الفوز حينئذٍ على الشباب بدبكتهن وخفتهن بالنط والوثب والقفز والدبك حتى يكلّ الجميع فينفرط عقدهم .
الخميس يوليو 26, 2012 2:09 am من طرف *أمانات منسية*
» رسالة جوال
السبت يناير 21, 2012 11:35 pm من طرف *أمانات منسية*
» لـــــــــــيــــــــــــــه ؟؟؟
السبت يناير 21, 2012 11:33 pm من طرف *أمانات منسية*
» !!ماتت الأبتسامة!!
الإثنين يناير 16, 2012 3:38 am من طرف *أمانات منسية*
» من الذكاء ان تكون غبيأ في بعض الاحيان
السبت ديسمبر 24, 2011 12:32 am من طرف الجوارح
» **دمعة وراء دمعة مع دمعة**
الجمعة نوفمبر 25, 2011 8:20 am من طرف *أمانات منسية*
» عيدكم مبارك
الجمعة نوفمبر 18, 2011 3:19 am من طرف سمات الود
» ---- اقرأ ـ ـ وتكفيني الآبتسسسسسامـة
الأربعاء نوفمبر 16, 2011 11:16 am من طرف *أمانات منسية*
» حكمة اليوم
الأربعاء نوفمبر 16, 2011 11:14 am من طرف *أمانات منسية*